۱۳۸۸ بهمن ۸, پنجشنبه

مشاري العفاسي


محمد البراك



أحمد بن علي العجمي



۱۳۸۸ بهمن ۲, جمعه

۱۳۸۸ دی ۱۷, پنجشنبه




مفهوم النظر في القرآن الكريم

مفهوم النظر في القرآن الكريم

الدراسة المصطلحية لألفاظ القرآن الكريم:
لا جَرَم أن الوحي (قرآناً وسنة) مجموعة من المفاهيم، إذا حُصِّلت حُصِّلت كليات الدين، وإذا لم تُفقَه لم يُفقَه الدين. ولا سبيل إلى التفقُّه في النص القرآني بغير دراسة مصطلحاته وألفاظه الكريمة المكوِّنة له؛ فهي مفتاح وصول العقول إلى مراد الله، عز وجل. فالمصطلح القرآني تتباين دلالاته بتباين امتداداته داخل النسيج المفهومي للنص القرآني، وتختلف معاني مبانيه باختلاف القضايا التي طُرح فيها هذا المصطلح.
ويراد بالدراسة المصطلحية لألفاظ القرآن: «تلك الدراسة المنهجية الجامعة التي تبيِّن مفاهيم المصطلحات من نصوصها، وتبيِّن المقومات الدلالية الذاتية للمصطلح عبر ضمائمه واشتقاقاته والقضايا الموصولة به»[1].
منهجية دراسة المصطلح القرآني:
ينحصر عمل الدارس للمصطلح القرآني في المراحل التالية:
أ - مرحلة الإحصاء: وهي تشمل:
* إحصاء المصطلح كيفما ورد (شكلاً وحجماً واشتقاقاً).
* إحصاء القضايا العامة المندرجة تحت مفهومه.
ب - مرحلة الدراسة المعجمية: والغاية منها ما يلي:
* الوقوف على المعنى العام للجذر اللغوية للمصطلح.
* الوقوف على المعاني الخاصة لمشتقات هذا الجذر؛ وذلك بالاعتماد على أمهات المعاجم.
ج - مرحلة الدراسة النصية:
وهي المرحلة الحاسمة في البحث، تقوم على ضبط مفهوم المصطلح؛ وذلك بعد تتبُّع دلالاته الجزئية في كل نص.
ولدراسة المصطلح القرآني مقاصد تتجلى في:
* الاستجابة لأمر الله - عز وجل - في تدبُّر القرآن الكريم. قال - تعالى -: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [ص: ٩٢].
* ترسيخ المفهوم الصحيح ونفض الغبار عنه وكشف الغطاء عن معانيه لتحصيل المقاصد التابعة.
* تصحيح الأفهام الخاطئة.
* جريان هذه المصطلحات وتداوُلها على الآذان استماعاً والأفواه قولاً.
* العمل بمقتضياتها باللسان والقلب والجوارح.
مفهوم (النظر) في القرآن الكريم:
تدور مادة (نَظَرَ) في اللغة، كما جاء في تهذيب اللغة للأزهري على:
- نَظَرِ العين لقول الله - عز وجل -: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: ٢٢ - ٣٢] الأُولى بالضاد والأخيرة بالظاء. وقال أبو إسحاق: نَضِرتْ بنعيم الجنة والنَّظِر إلى ربها.
- ونَظَرِ التفضُّل: يقول القائل للمؤمَّل يرجوه: إنما أنظر إلى الله ثم إليك، أي إنما أتوقع فضل الله ثم فضلك.
- ونَظَرِ الانتظار؛ ومنه قول عمرو بن كلثوم:
أبا هنْد فَلا تَعْجَلْ علينا
وأَنْظرْنا نُخَبِّرْكَ اليقينا
- ونَظَرِ الهيبة[2].
ووردت مادة (نَظَرَ) في القرآن الكريم في (أربعٍ ومئة) موضع، موزعة على خمس وأربعين سورة باشتقاقات مختلفة كما سأُبيِّن:
1 - نَظَرُ الرؤية: قال الله - عز وجل -: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ*إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: ٢٢ - ٣٢] قال ابن عطية المحاربي: (حَمَل هذه الآية أهل السنَّة على أنها متضمنة رؤية المؤمنين لله - تعـالى - وهي رؤيـة دون محـاذاة ولا تكييف ولا تحديد كما هو معلوم؛ موجود لا يشبه الموجودات كذلك هو لا يشبه المرئيات في شيء؛ فإنه ليس كمثله شيء لا إله إلا هو)[3] وقد ثبتت رؤية المؤمنين لله - عز وجل - في الدار الآخرة في الأحاديث الصحاح من طرق متواترة عند علماء الحديث، كحديث أبي سعيد وأبي هريرة: (أن أناسـاً قالوا: يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: «هل تُضَارُّون في رؤية الشمس والقمر ليس دونهما سَحَاب؟» قالوا: لا. قال: «فإنكم تَرَون ربكم كذلك»)[4].
2 - نظرُ الانتظار: قال - تعالى -: {مَا يَنظُرُونَ إلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ} [يس: ٩٤] يخبر - تعالى - عن تكذيب الكفار لقيام الساعة في قولهم للمؤمنين: {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ} قال ابن كثير: (قال الله - تعالى -: ما ينتظرون إلا صيحة واحدة، وهذه - والله أعلم - نفخة الفزع)[5].
3 - نَظرُ الاعتبار والتأمل: قال - عز وجل -: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْـمُكَذِّبِينَ} [آل عمران: ٧٣١].
يقول - تعالى - مخاطباً عباده المؤمنين الذين أصيبوا يوم أحد: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} أي قد مر هذا مع من سبقكم من أتباع الأنبياء، ثم كانت العاقبة لهم ودارت الدوائر على الكافرين، ولهذا قال: {فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْـمُكَذِّبِينَ} قال ابن عاشور: (وأُريدَ النظر في آثارهم؛ ليحصل منه تحقُّق ما بلغ من أخبارهم، أو السؤال عن أسباب هلاكهم، وكيف كانوا أولي قوة، وكيف طغوا على المستضعفين؛ فاستأصلهم الله، أو لتطمئن نفوس المؤمنين بمشاهدة الـمُخبَر عنهم مشاهدةَ عيان؛ فإن للعيان بديع معنى (لأنها) بَلَغتهم أخبار المكذبين، ومن المكذبين عاد وثمود وأصحاب الأيكة وأصحاب الرس، وكلهم في بلاد العرب يستطيعون مشاهدة آثارهم، وقد شهدها كثير منهم في أسفارهم)[6].
ومنه قوله - تعالى -: {فَانظُرْ إلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إنَّ ذَلِكَ لَـمُحْيِي الْـمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيٍْ قَدِيرٌ} [الروم: ٠٥]. وقوله - تعالى - أيضاً: {أَفَلا يَنظُرُونَ إلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإلَى الْـجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية: ٧١ - ٠٢]. هذه المشاهد معروضة لنظر الإنسان حيثما كان (السماء، والأرض، والجبال، والحيوان) ليتأمل فيها ويمعن فيها النظر، ليصل إلى معرفة الله - جل جلاله - وقدرته.
4 - نَظرُ التعطف: ويراد بالنظر في القرآن الكريم أيضاً، العطف والرحمة والشفقة؛ لقوله - عز وجل -: {إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّـمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنظُرُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: ٧٧] أي: إن الذين يفعلـون ذلـك من أهـل الكتـاب - بتركهم عهد الله الذي عهد إليهم - لا حظ لهم في خيرات الآخرة، ولا نصيب لهم من نعيم الجنة ولا يعطف عليهم بخير، مقتًا من الله عليهم. قال ابن كثير: (لا يكلمهم كلام لطف بهم، ولا ينظر إليهم بعين الرحمة)[7].
ومنه ما أخرجـه الإمام مسلم من طريق أبـي هـريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر»[8] قال الإمام النووي في شرحه على مسلم: (لَا يَنْظُر إِلَيْهِمْ؛ أي: يُعرِض عنهم. ونظره - سبحانه وتعالى - لعباده رحمته ولطفه بهم)[9].
5 - نَظـرُ المهلة والتأجيل: قال - تعالى -: {إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْـمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنظَرُونَ} [البقرة: ١٦١ - ٢٦١] وقد فسر الإمام البغوي هـذه الآية بقـوله: (لا يُمهَلـون ولا يُؤجَّلون، وقال أبوالعاليـة: لا يُنظـرون فيعتذرون كقـوله - تعالى -: {وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [المرسلات: ٦٣][10].
وروي عن الآلوسي قـوله: (الإنظـار بمعنى التـأخير؛ أي لا يُمهَلون عن العذاب ولا يؤخَّرون عنه ساعة)[11].
ومثله قوله - تعالى -: {وَإن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٠٨٢] وشاهده أنه إذا تعذر على غريم سداد ما عليه من الديْن، فالأصل تأجيل الدَّين عليه إلى ميسرة. قال الإمام الشوكاني: (لـما حَكَم - سبحانه - لأهل الربا برؤوس أموالهم عند الواجدين للمال حكم في ذوي العسرة بالنظِرة إلى يسار. والعسرة: ضيق الحال من جهة عدم المال، ومنه جيش العسرة. والنظِرة: التأخير)[12]. ومنه قوله - تعالى -: {فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ} [الشعراء: ٣٠٢].
6 - نَظرُ الخوف والرعب والمذلة: قال - عز وجل -: {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإذَا جَاءَ الْـخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْـمَوْتِ فَإذَا ذَهَبَ الْـخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشـِحَّةً عَلَى الْـخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [الأحزاب: ٩١] هذه الآية نزلت في شأن المنافقين. روى الإمام السيوطي عن ابن أبي حاتم عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله: ({فَإذَا جَاءَ الْـخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إلَيْكَ} قال: إذا حضروا القتال والعدوَّ {رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إلَيْكَ} أجبن قوم، وأخذله للحق {تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ} قال: من الخوف)[13].
ومنه قوله - تعالى -: {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ الْـخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إنَّ الظَّالِـمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ} [الشورى: ٥٤] والشاهد أن الظالمين أذلَّهم الخوف الذي نزل بهم وخشعوا له، فطفق ينظر هؤلاء الظالمون إلى النار حين يعرضون عليها من طرْف خفي ذليل. وهذا ما خلَص إليه الإمام الطبري - بعد سرده لجملة من الروايات - بقوله: (والصواب من القول في ذلك، القول الذي ذكرناه عن ابن عباس ومجاهد، وهو أن معناه: أنهم ينظرون إلى النار من طرْف ذليل، وصفه الله - جل ثناؤه - بالخفاء للذلة التي قد ركبتهم، حتى كادت أعينهم أن تغور، فتذهب)[14].


[1] مفهوم التأويل في القرآن الكريم والحديث الشريف، فريدة زمرد، معهد الدراسات المصطلحية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ظهر المهراز، فاس - المغرب

[2] للتوسع أكثر انظر تهذيب اللغة: مادة (نَظَرَ) ج5/39 - 40 - 41.

[3] المحرر الوجيز: 6/458.

[4] صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة).

[5] تفسير ابن كثير: 6/581.

[6] التحرير والتنوير: 3/221.

[7] تفسير ابن كثير: 2/62.

[8] صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة.

[9] شرح النووي على مسلم: 1/217.

[10] معالم التنزيل: 2/176.

[11] روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني: 2/80.

[12] فتح القدير: 1/404.

[13] الدر المنثور في التأويل بالمنثور: 8/138.

[14] جامع البيان في تأويل القرآن: 21/554.